فصل: تفسير الآيات (1- 5):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجواهر الحسان في تفسير القرآن المشهور بـ «تفسير الثعالبي»



.تفسير الآيات (25- 29):

{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآَبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (26) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27) وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29)}
وقوله سبحانه: {وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ ءاياتنا بَيِّنَاتٍ} يعني: قريشاً، {مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ائتوا بِئَابَائِنَا} أي: يا محمَّد، أَحْيِ لنا قُصَيًّا حتى نَسْأَلَهُ، إلى غَيْرِ ذلك من هذا النحو، فنزلت الآية في ذلك، ومعنى {إِن كُنتُمْ صادقين} أي: في قولكُمْ أَنَّا نُبْعَثُ بعد الموت.
ثم أمر اللَّه تعالى نَبِيَّه أنْ يخبرَهم بالحال السابقة في علم اللَّه التي لا تُبَدَّلُ بأَنَّه يحيي الخلق ثم يميتهم.... إلى آخر الآية،، وباقي الآية بَيِّنٌ.
و{المبطلون}: الداخلون في الباطل.
وقوله سبحانه: {وترى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} هذا وصفُ حالِ القيامة وهولها، والأُمَّةُ: الجماعة العظيمة من الناس، وقال مجاهد: الأُمَّةُ: الواحد من الناس؛ قال * ع *: وهذا قلق في اللغة، وإنْ قيل في إبراهيمَ {أُمَّة} وفي قُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ، فذلك تَجوُّزٌ على جهة التشريف والتشبيه، و{جَاثِيَةً} معناه: على الرُّكَب؛ قاله مجاهد وغيره، وهي هَيْئَة المُذْنِبِ الخَائِفِ، وقال سُلَيْمَانُ: في القيامة ساعَةٌ قَدْرُ عَشْرِ سنين، يَخِرُّ الجميعُ فيها جُثَاةً على الرُّكَبِ.
وقوله: {كُلُّ أُمَّةٍ تدعى إلى كتابها} قالت فرقة: معناه: إلى كتابها المُنَزَّلِ عليها، فَتُحَالكَمُ إِليه، هل وافقته أو خالفته؟ وقالت فرقة: أراد إلى كتابها الذي كتبته الحَفَظَةُ على كل واحد من الأُمَّةِ.
وقوله سبحانه: {هذا كتابنا} يحتمل أنْ تكون الإشارة إلى الكتب المُنَزَّلَةِ، أو إلى اللوح المحفوظ أو إلى كُتُبِ الحَفَظَةِ؛ وقال ابن قُتَيْبَةَ: إلى القرآن.
وقوله سبحانه: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} قال الحَسَنُ: هو كُتُبُ الحَفَظَةِ على بني آدمَ، وروى ابن عباس وغيره حديثاً؛ أَنَّ اللَّه تَعالى يَأْمُرُ بِعَرْضِ أَعْمَالِ الْعِبَادِ كُلَّ يَوْمِ خَمِيسٍ، فَيُنْقَلُ مِنَ الصُّحُفِ الَّتِي كَانَتْ تَرَفَعُ الحَفَظَةَ كُلُّ مَا هُوَ مُعَدٌّ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ ثَوَابٌ أَوْ عِقَابٌ، وَيُلْغَى البَاقِي؛ فهَذَا هُوَ النَّسْخُ من أَصْلٍ.

.تفسير الآيات (30- 33):

{فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ (31) وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (33)}
وقوله عز وجل: {فَأَمَّا الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ * في رَحْمَتِهِ} أي: في جَنَّتِهِ.
{وَأَمَّا الذين كَفَرُواْ أَفَلَمْ تَكُنْ} أي: فيقال لهم: {أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تتلى عَلَيْكُمْ} وقرأ حمزة وحده: {وَالسَّاعَةَ} بالنصب؛ عطفاً على قوله: {وَعْدَ الله}، وقرأ ابن مسعود: {وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا}، وباقي الآية بيِّن.
وقوله سبحانه: {وَبَدَا لَهُمْ سيئات مَا عَمِلُواْ...} الآية، حكايةُ حالِ يوم القيامة {وَحَاقَ} معناه: نزل وأحَاطَ، وهي مُسْتَعْمَلَة في المَكْرُوهِ، وفي قوله: {مَّا كَانُواْ} حذفُ مضافٍ، تقديره: جزاءَ ما كانوا به يستهزئُون.

.تفسير الآيات (34- 37):

{وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (34) ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)}
وقوله عز وجل: {وَقِيلَ اليوم نَنسَاكُمْ} معناه: نترككم كما تركتم لقاءَ يومكم هذا، و{آيَاتِ الله} هنا: لفظ جامعٌ لآِيات القرآن وللأدِلَّةِ التي نَصَبَهَا اللَّهُ تعالى، للنَّظَرِ، {وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} أي: لا يُطْلَبُ منهم مراجعةٌ إلى عملٍ صَالِحٍ.
وقوله سبحانه: {فَلِلَّهِ الحمد رَبِّ السموات الأرض...} إلى آخر السورة تحميدٌ للَّه عزَّ وجلَّ، وتحقيقٌ لأُلُوهِيَّتِهِ، وفي ذلك كَسْرٌ لأمرِ الأصنامِ وسائرِ ما تعبده الكَفَرَةُ، و{الكبرياء}: بناءُ مبالغةٍ.

.تفسير سورة الأحقاف:

وهي مكية إلا آيتين، وهما: قوله تعالى: {قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به} الآية، وقوله سبحانه: {فاصبر كما صبر أولو العزم} الآية.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 5):

{حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3) قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5)}
وقوله سبحانه: {حم* تَنزِيلُ الكتاب} يعني: القرآن.
وقوله سبحانه: {مَا خَلَقْنَا السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بالحق وَأَجَلٍ مُّسَمًى والذين كَفَرُواْ عَمَّا أُنذِرُواْ مُعْرِضُونَ}: هذه الآية موعظة، وزَجْرٌ، المعنى: فانتبهوا أَيُّهَا الناسُ، وانظروا ما يُرَادُ بكم ولِمَ خُلِقْتُمْ، والأَجَلُ المسمى: هو يَوْمُ القيامةِ.
وقوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ} [معناه:] ما تَعْبُدُونَ، ثم وقفهم على السموات؛ هَلْ لهم فيها شِرْكٌ، ثم استدعى منهم كتاباً مُنَزَّلاً قبل القرآن يتضمَّن عبادَةَ الأَصْنَامِ، قال ابن العربيِّ في أحكامه: هذه الآية مِنْ أَشْرَفِ آية في القرآن؛ فإنَّها استوفَتِ الدَّلالَةَ على الشرائع عَقْلِيِّهَا وسَمْعِيِّها؛ لقوله عزَّ وجلَّ: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله أَرُونِى مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرض أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ في السموات} فهذا بيانٌ لأدِلَّة العَقْلِ المتعلِّقة بالتوحيدِ، وحُدُوثِ العالم، وانفراد البارِي تعالى بالقدرة والعِلْمِ والوجُودِ والخَلْقِ، ثم قال: {ائتونى بكتاب مِّن قَبْلِ هذا}: على ما تقولون، وهذا بيان لأدلَّة السَّمْعِ؛ فَإنَّ مدرك الحق إنما يكون بدليل العقل أو بدليل الشرع، حسبما بَيَّنَّاهُ من مراتب الأدِلَّة في كتب الأصول، ثم قال: {أَوْ أثارة مِّنْ عِلْمٍ} يعني: أو عِلْمٍ يؤْثَرُ، أي: يروى ويُنْقَلُ، وإنْ لم يكن مكتوباً، انتهى.
وقوله: {أَوْ أثارة} معناه: أو بَقِيَّةٍ قديمةٍ من عِلْمِ أحد العلماءِ، تقتضي عبادة الأصنام، والأثارة البَقِيَّةُ من الشيء، وقال الحسنُ: المعنى: من عِلْمٍ تستَخْرِجُونَهُ فتثيرونه، وقال مجاهدٌ: المعنى: هل مِنْ أَحَدٍ يأثر علماً في ذلك، وقال القرطبيُّ: هو الإسناد؛ ومنه قول الأعشى: من [السريع]
إنَّ الَّذِي فِيهِ تَمَارَيْتُمَا ** بُيِّنَ لِلسَّامِعِ وَالآثِرِ

أي: وللمُسْنِدِ عن غيره، وقال ابن عباس: الأثارة: الخَطُّ في التراب، وذلك شيْءٌ كانَتِ العَرَبُ تفعله، والضمير في قوله: {وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غافلون} هو للأصنام في قول جماعة، ويحتمل أنْ يكون لِعَبَدَتِهَا.

.تفسير الآيات (6- 9):

{وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8) قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9)}
وقوله سبحانه: {وَإِذَا حُشِرَ الناس كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَاءً} وَصْفُ ما يكون يومَ القيامةِ بَيْنَ الكُفَّار وأصنامهم من التَّبَرِّي والمُنَاكَرَةِ، وقد بُيِّنَ ذلك في غير هذه الآية.
{وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ ءاياتنا} أي: آيات القرآن، {قَالَ الذين كَفَرُواْ لِلْحَقِّ} يعني: القرآن {هذا سِحْرٌ مُّبِينٌ} أي: يُفَرِّقُ بين المرءِ وَبَنِيهِ.
وقوله سبحانه: {قُلْ إِنِ افتريته فَلاَ تَمْلِكُونَ لِى مِنَ الله شَيْئاً} المعنى: إنِ افتريته، فاللَّه حَسْبِي في ذلك، وهو كان يعاقبني ولا يُمْهِلُنِي، ثم رجَعَ القَوْلُ إلى الاستسلامِ إلى اللَّه، والاستنصارِ به عليهم، وانتظارِ ما يَقْتَضِيهِ عِلْمُهُ بما يُفِيضُونَ فيه مِنَ البَاطِلِ ومُرَادَّة الحَقِّ، وذلك يقتضي مُعَاقَبَتَهُمْ؛ ففي اللفظ تهديد، والضمير في {بِهِ} عائدٌ على اللَّه عزَّ وجَلَّ.
وقوله سبحانه: {وَهُوَ الغفور الرحيم} تَرجيةٌ واستدعاءٌ إلى التوبة، ثم أمره عزَّ وجلَّ أنْ يحتجَّ عليهم بأَنَّه لم يكن بِدْعاً من الرسل، والبِدْعُ والبَدِيعُ من الأشياءِ ما لم يُرَ مِثْلُهُ، المعنى: قد جاء قَبْلِي غيري؛ قاله ابن عَبَّاس وغيره.
* ت *: ولفظ البخاريِّ: وقال ابن عباس: {بِدْعاً مِّنَ الرسل} أي: لَسْتُ بأوَّلِ الرُّسُلِ، واختلف الناسُ في قوله: {وَمَا أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلاَ بِكُمْ} فقال ابن عباس وجماعةٌ: كان هذا في صَدْرِ الإسْلاَمِ، ثم بعد ذلك عَرَّفَهُ اللَّه عزَّ وجلَّ بأَنَّه قد غفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّرَ، وبأَنَّ المؤمنين لهم من اللَّه فضلٌ كبيرٌ، وهو الجَنَّةُ، وبأَنَّ الكافرين في نار جَهَنَّمَ؛ والحديثُ الصَّحِيحُ الذي وقع في جنازة عُثْمانَ بنِ مَظْعُونٍ يُؤَيِّدُ هذا، وقالت فرقة: معنى الآية: وما أدري ما يُفْعَلُ بي ولا بكم من الأوامر والنواهي، وقيل غير هذا.
وقوله: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَىَّ} معناه: الاِستسلامُ والتَّبَرِّي من عِلْمِ المُغَيَّبَاتِ، والوقوفُ مع النذارةِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ.

.تفسير الآيات (10- 14):

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآَمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (12) إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (14)}
وقوله عز وجل: {قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ الله وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِى إسراءيل...} الآية، جوابُ هذا التوقيفِ محذوفٌ، تقديره: أَلَيْسَ قد ظلمتم؟! ودَلَّ على هذا المُقَدَّرِ قولُهُ تعالى: {إِنَّ الله لاَ يَهْدِى القوم الظالمين} قال مجاهد وغيره: هذه الآية مدنية، والشاهد عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ، وقد قال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ: فيَّ نَزَلَتْ، وقال مَسْرُوقُ بْنُ الأجْدَعِ والجمهورُ: الشاهد موسَى بْنُ عِمْرَانَ عليه السلام، والآية مكية، ورَجَّحَه الطَّبْرِيُّ.
وقوله: {على مِثْلِهِ} يريد بالمثل التوراةَ، والضمير عائد في هذا التأويل على القرآن، أي: جاء شاهد من بني إسرائيل بمثله أَنَّه من عند اللَّه سبحانه.
وقوله: {فَئَامَنَ}، على هذا التأويل، يعني به تصديقَ موسى وتبشيرَهُ بِنَبِيِّنا محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
وقوله سبحانه: {وَمِن قَبْلِهِ} أي: مِنْ قَبْلِ القرآنِ {كِتَابُ موسى} يعني: التوراة {وهذا كتاب} يعني القرآن {مُّصَدِّقُ} للتوراة التي تَضَمَّنَتْ خبره، وفي مصحف ابن مسعود: {مُصَدِّقٌ لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} و{الذين ظَلَمُواْ} هم: الكفار، وعَبَّرَ عن المؤمنين بالمحسنين؛ ليناسِبَ لفظ الإحسان في مقابلة الظلم.
ثم أخبر تعالى عن حُسْنِ حال المستقيمين، وذهب كَثِيرٌ من الناس إلى أَنَّ المعنى: ثم استقاموا بالطاعات والأعمال الصالحات، وقال أبو بكر الصديق رضي اللَّه عنه المعنى: ثم استقاموا بالدَّوَامِ على الإيمان؛ قال * ع *: وهذا أَعَمُّ رجاءً وأَوْسَعُ، وإن كان في الجملة المؤمنة من يُعَذَّبُ وَيَنْفُذُ عليه الوعيد، فهو مِمَّنْ يَخْلُدُ في الجَنَّةِ، وينتفي عنه الخوفُ والحُزْنُ الحَالُّ بالكَفَرَةِ.
وقوله تعالى: {جَزَاءَ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} قد جعل اللَّه سبحانه الأعمالَ أَمَارَاتٍ على ما سَيَصِيرُ إليه العَبْدُ، لا أَنَّهَا توجب على اللَّه شيئاً.

.تفسير الآيات (15- 16):

{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16)}
وقوله سبحانه: {وَوَصَّيْنَا الإنسان} يريد: النوع، أي: هكذا مَضَتْ شرائِعِي وكُتُبِي، فَهِيَ وَصِيَّةٌ من اللَّه في عباده، وبِرُّ الوالدَيْنِ واجبٌ، وعُقُوقُهُمَا كبيرةٌ، وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ شَيْءٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ إلاَّ شَهَادَةَ أَنْ لاَ إله إلاَّ اللَّه، وَدَعْوَةَ الْوَالِدَيْنِ» قال * ع *: ولن يَدْعُوَا في الغالب إلاَّ إذا ظلمَهُمَا الوَلَدُ، فهذا يَدْخُلُ في عُمُومِ قوله عليه السلام: «اتَّقُوا دَعْوَةَ المَظْلُومِ؛ فَإنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ» ثم عَدَّدَ سُبْحَانَهُ عَلَى الأبْنَاءِ مِنَنَ الأُمَّهَاتِ.
وقوله تعالى: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً} قال مجاهد، والحسن، وقتادة: حملته مَشَقَّةً، ووضعته مَشَقَّةً، قال أبو حَيَّان: {وَحَمْلُهُ} على حَذْفِ مضافٍ، أي: مدَّة حمله، انتهى.
وقوله: {ثَلاَثُونَ شَهْراً} يقتضى أَنَّ مُدَّة الحمل والرَّضَاعِ هي هذه المُدَّةُ، وفي البقرة: {والوالدات يُرْضِعْنَ أولادهن حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] فيترتب من هذا أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الحَمْلِ سِتَّةُ أَشهر، وأقلَّ ما يَرْضَعُ الطفْلُ عَامٌ وتسعَةُ أشْهُرٍ، وإكمال الحولَيْنِ هو لمن أراد أَنْ يُتِمَّ الرضاعة، وهذا في أمد الحَمْلِ، هو مذهب مالك وجماعة من الصحابة، وأقوى الأقوال في بلوغ الأَشُدِّ ستةٌ وثلاثُونَ سنَةً، قال * ع *: وإنَّما ذكر تعالى الأربعين؛ لأَنَّها حَدٌّ للإنسان في فلاحه ونَجَابَتِهِ، وفي الحديث: «إنَّ الشَّيْطَانَ يَجُرُّ يَدَهُ على وَجْهِ مَنْ زادَ عَلَى الأَرْبَعِينَ وَلَمْ يَتُبْ، فَيَقُولُ: بِأَبِي، وَجْهٌ لاَ يُفْلِحُ». * ت *: وحَدَّثَ أبو بَكْرِ ابْنُ الخَطِيبِ في تاريخِ بَغْدَادَ بسنده المُتَّصِلِ عن أنسٍ، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «إذَا بَلَغَ الْعَبْدُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، أَمَّنَهُ اللَّهُ مِنَ البَلاَيَا الثَّلاَثِ: الجُنُونِ، وَالجُذَامِ وَالْبَرَصِ، فَإذا بَلَغَ خَمْسِينَ سَنَةً خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُ الحِسَابَ، فَإذَا بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً رَزَقَهُ اللَّهُ الإنَابَةَ لِمَا يُحِبُّ، فَإذَا بَلَغَ سَبْعِينَ سَنَةً غَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَشُفِّعَ في أَهْلِ بَيْتِهِ، وَنَادَاهُ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: هَذَا أَسِيرُ اللَّهِ في أَرْضِهِ» انتهى، وهذا واللَّه أعلم في العبد المُقْبِلِ على آخرته، المشتغل بطاعة ربه.
وقوله: {رَبِّ أَوْزِعْنِى} معناه: ادفع عني الموانع، وأَجِرْنِي من القواطع؛ لأجل أنْ أشكرَ نعمتك، ويحتمل أنْ يكون {أَوْزِعْنِى} بمعنى: اجعل حَظِّي ونصيبي، وهذا من التوزيع.
* ت *: وقال الثعلبيُّ وغيره {أَوْزِعْنِى}: معناه: ألهمني، وعبارة الفَخْر: قال ابن عباس {أَوْزِعْنِى}: معناه: ألهمني، قال صَاحِبُ الصِّحَاحِ استوزعت اللَّهَ فَأَوْزَعَنِي، أي: استَلْهَمْتُهُ فألْهَمَنِي، انتهى، قال ابن عباس {نِعْمَتَكَ}: في التوحيد و{صالحا ترضاه}: الصلواتِ، والإصلاحُ في الذُّرِّيَّةِ: كونُهم أَهْلَ طاعة وخيرٍ، وهذه الآية معناها: أَنْ هاكذا ينبغي للإنسان أنْ يَكُونَ، فهي وَصِيَّةُ اللَّه تعالى للإنسان في كُلِّ الشرائع، وقولُ مَنْ قال: إنَّها في أبي بكر وأبويه ضعيف؛ لأَنَّ هذه الآية نزلت بمَكَّةَ بلاَ خِلاَفٍ، وأبو قُحَافَةَ أَسْلَمَ عامَ الفتح، وفي قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الذين نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ...} الآية: دليلٌ على أَنَّ الإشارة بقوله: {وَوَصَّيْنَا الإنسان} إنما أراد به الجِنْسَ.
وقوله: {فِى أصحاب الجنة} يريد: الذين سبقت لهم رحمةُ اللَّه، قال أبو حَيَّان {فِى أصحاب الجنة} قيل: {فِى} على بابها، أي: في جملتهم؛ كما تقول: أَكْرَمَنِي الأمِيرُ في نَاسٍ، أي: في جملةِ مَنْ أَكْرَمَ، وقيل: {فِى} بمعنى مع، انتهى.